القائمة الرئيسية

الصفحات

أنتروبولوجيا اللباس التقليدي في الجنوب التونسي




أنتروبولوجيا اللباس التقليدي في الجنوب التونسي

أنتروبولوجيا اللباس التقليدي في الجنوب التونسي

رغم مؤثرات العولمة وما صاحبها من تغييرات جذرية في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة، فإنّ المجتمع التونسي لم يفقد الرابط القوي الذي يشدّه إلى عاداته وتقاليده ويشكّل هويته الثقافية التي تميزه عن المجتمعات الأخرى. وتتجسّد الهوية التونسية في محافظة المجتمع المحلي على الأصل من القيم والمبادئ والعادات التي تتوارثها الأجيال وكذلك انفتاحه على العالم الخارجي والتعايش مع المجتمعات المعولمة. وتعدّ المرجعية الفكرية التي بني عليها المجتمع التونسي الأساس الذي ينطلق منه الفاعلون الاجتماعيون لبناء الدولة الحديثة التي تستجيب للتطورات المتسارعة التي يشهدها العالم المعاصر، وفي نفس الوقت تثبّت أصولها وإرثها الثقافي وتعزّز الثقافة الأثنية التونسية. وللاستدلال على ما تقدم ذكره، نتناول بالدرس والتحليل ظاهرة اللباس التقليدي في الجنوب التونسي ودوره في محافظة المجتمع المحلي على خصوصياته الثقافية دون التماهي والانصهار في مجتمعات اقليمية ودولية أخرى.

1. مفهوم اللباس التقليدي

اللباس التقليدي في الجنوب التونسي هو مادة تراثية تتزاوج فيها الأصالة مع الحداثة. ويعدّ اللباس التقليدي أو "اللبس العربي" حسب الملفوظ الشعبي التونسي من أبرز المقومات التي يقوم عليها الإرث الثقافي الذي يحصّن الهوية والخصوصية الوطنية من الزحف الوحشي للعولمة. ومن أبرز الألبسة التقليدية التي يتميز بها الجنوب التونسي: الجبّة، البرنس، الكبّوس، القشابية، السفساري، الحرام والملية، الحليّ العربي.

2. اللباس التقليدي في تونس بين الأمس واليوم

في أوقات سابقة كانت الملابس التقليدية تكتسي أهمية كبيرة في المجتمعات المحلية في تونس. فقد كانت تمثل رمز الهوية الوطنية المرتبطة بالتاريخ العريق لهذا الوطن (أربعة آلاف سنة حضارة). لقد كانت الملابس التقليدية بجميع أنواعها اللباس الرسمي للمجتمع التونسي، من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه. ففي المعيش اليومي وفي المناسبات العامة والخاصة، كانت الملابس التقليدية هي اللباس اليومي، حيث يتم ارتداءها والتزيّن بها في أماكن العمل وفي الشارع وفي الأعياد والأفراح والمناسبات الاجتماعية الأخرى.

يرتبط التونسي بلباسه التقليدي ويتعلق به أشدّ التعلّق، لماذا؟ لأنّه يرى في اللباس التقليدي الرابط المتين الذي يربطه بالأجداد والأجيال السابقة. وعندما نقول الأجداد نقصد الأصالة والعادات والتقاليد والقيم التي تتوارثها الأجيال. ففي وقت ليس بالبعيد، كان ينظر للباس التقليدي على أنّه رمز الانتماء للمجتمع العربي الأصيل والحامل للخصوصية والهوية التي تميّزه علي بقية المجتمعات الأخرى. ولسائل أن يتساءل: هل حافظ المجتمع المحلي التونسي على اللباس التقليدي باعتباره رمز الأصالة والتشبث بالإرث الثقافي الذي يميّزه عن المجتمعات الأخرى؟ أسهم الاستعمار في تراجع قيمة اللباس التقليدي الذي بدأ يفقد دلالاته السوسيو- ثقافية ورمزيته وتاريخه العريق الذي يمتد لآلاف السنين. فسعى المستعمر منذ البداية إلى تنفيذ مشروعه الاستعماري والمتمثل في طمس الهوية الوطنية والقضاء على الخصوصية الثقافية وتغيير العادات والتقاليد بداعي تحديث المجتمع التونسي. وقد أحدث هذا التحديث القصري اختلالات عميقة على مستوى الإرث الثقافي وزعزع النمط التقليدي للمعيش اليومي، فتأثر اللباس التقليدي وكانت بداية اندثاره بصفة تدريجية خاصة في المناطق الشمالية والساحلية للبلاد التونسية. ورغم انبهار الأغلبية من المجتمع التونسي وتأثرهم بما يسمّى "بالحداثة"، فإنّ سكان الجنوب التونسي تشبثّوا بلباسهم التقليدي رغم الزحف الوحشي للعولمة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. فاللباس التقليدي بالنسبة للجنوبيين هو رمز التفرّد بجملة من العادات والتقاليد التي تعزّز الخصوصية الثقافية والهوية الوطنية.

3. اللباس التقليدي في الجنوب التونسي ودلالاته السوسيو- ثقافية

يعدّ اللباس التقليدي بجميع أنواعه من العلامات المميّزة لسكان الجنوب التونسي، فهو اللباس الرسمي في المعيش اليومي وفي المناسبات العامة والخاصة، حيث يتم ارتداءه والتزيّن به في أماكن العمل وفي الشارع وفي الأعياد والأفراح والمناسبات الاجتماعية الأخرى. ومن أشهر الألبسة التقليدية التي تميّز المجتمع المحلي بالجنوب التونسي:

*الجبة:

تعتبر الجبة من أبرز مقومات الشخصية الفردية والجماعية في الجنوب التونسي، فهي تعبير ثقافي عن أصالة المجتمع المحلي واختلافه عن المجتمعات الأخرى. وبذلك تكون الجبة بمختلف أنواعها وبمكمّلاتها الأخرى ( الشاشية والطاقية والفرملة والبرنس ...) من أبرز الأدوات التي يعتمدها التونسي في صراعه مع سياسة التنميط والتحديث القسري التي تهدف إليها العولة ومن قبلها الاستعمار الفرنسي. ويشدّد التونسيون في الجنوب على أنّ الجبة هي زينة الرجل وستره وفخره بالانتماء إلى حضارة الأجداد.

*السفساري:

رغم تحرّر المرأة التونسية من إكراهات الإرث الثقافي وخروجها للعمل والدراسة والتسوّق ومشاركتها في جميع مجالات الحياة، فإنها مازالت محافظة على بعض السلوكيات والقيم والعادات المتعلقة باللباس خاصة في الجنوب التونسي. فقد حافظت النساء على الالتفاف والتستّر بواسطة السفساري خاصة خلال المناسبات الخاصة والعامة، فهو اللحاف الذي يستر ويخفي مفاتن المرأة وجسدها عن نظرات الرجال الغرباء. وقد تعزّزت مكانة السفساري بعد الحراك الاجتماعي سنة 2011 خاصّة بعد التنامي المتصاعد لما يسمّى بلباس النقاب، الذي يعتبر لباسا دخيلا على اللباس التقليدي التونسي. وتكمن أهمية لباس السفساري في الجنوب التونسي في رمزيته للهوية الوطنية والخصوصية الثقافية التي يتميز بها المجتمع المحلي عن المجتمعات الأخرى.

*الملحفة والحرام والحولي/الحليّ العربي:

هي عبارة عن لحاف ترتديه المرأة يشدّه زوج من "الخلال" من الأمام ويثبّته ما يسمى بالحزام من الوسط (الخصر). وينتشر هذا اللباس في المناطق الريفية من الجنوب التونسي وفي مدنها كذلك، خاصة في المناسبات العائلية (الأعراس وحفلات الختان). وتتزيّن النساء في الجنوب بواسطة الحليّ العربي الذي يتكون من الخلخال الذي يزيّن قدمي المرأة وكذلك "الحجر" بكسر الحاء، وهو عقد كبير يلف رقبتها ويتكون من أنواع عديدة من الأشكال الهندسية التي صنعت من الفضة والذهب الخالص. وتعتبر الملية، اللباس المفضّل والمميّز الذي يربط المرأة بعاداتها وتقاليدها وبتراثها. ويرى المجتمع المحلي أن "الملية" هي رمز التواضع والحياء والحشمة، لأنّها تخفي مفاتن المرأة وتستر جسدها وتساعدها على الحركة وقضاء شؤونها الحياتية دون عناء، فهو باختصار لباس المرأة العربية الأصيلة التي تتشبّث بموروثها الثقافي و بهويتها الوطنية.

 

أنت الان في اول موضوع
هل اعجبك الموضوع :
author-img
Arbi Jabli, chercheur en sociologie et spécialiste en sciences de l'éducation

Commentaires