القائمة الرئيسية

الصفحات

الإعلام الرياضي وظاهرة العنف في ملاعب كرة القدم




الإعلام الرياضي وظاهرة العنف في ملاعب كرة القدم

الإعلام الرياضي وظاهرة العنف في ملاعب كرة القدم

يعتقد الكثيرون أنّ الرياضة بجميع أنواعها الوسيلة المثلى لتحقيق قيم التسامح والتكامل وضبط النفس وقبول الآخر بقطع النظر عن إيديولوجية ولونه وجنسه. فهي من تحقّق للفرد والمجموعة التوازن النفسي والعقلي والبدني طبقا للمعادلة "العقل السليم في الجسم السليم". غير أنّه في السنوات الأخيرة، فقدت الرياضة وخاصة رياضة كرة القدم دورها الأساسي والمتمثل في التربية على الصحة البدنية والنفسية وتقوية الروح الرياضية بين الجماهير الرياضية عبر قبول مفهومي الربح والخسارة بكل قناعة ورحابة صدر، حيث تنامى التعصّب الرياضي واستفحل العنف بجميع أنواعه داخل الملاعب الرياضية وخارجها. وعلى هذا الأساس، كانت رغبتنا ملّحة في دراسة ظاهرة تنامي العنف في ملاعب كرة القدم والتعرّض للدور الذي يلعبه الإعلام الرياضي في تصاعد وتيرة العنف والشغب. وللإلمام بمختلف الجوانب المحيطة بهذه الظاهرة المعقّدة، نتناول بالدرس المحتويات التالية: - مفهوم العنف الرياضي. - النسق التاريخي لتطور ظاهرة العنف في الملاعب الرياضية. - دور الإعلام الرياضي في تنامي ظاهرة العنف في الملاعب الرياضية. - حلول ومقترحات.

1. مفهوم العنف الرياضي

العنف الرياضي هو ظاهرة اجتماعية قديمة تطورت بتطور الانسان، واتخذّت أشكالا عديدة، منها الرمزي واللفظي والمادي. فهو تلك الحالة من عدم احترام المنافس والإساءة إليه، ونقصد المنافس اللاعبين والجمهور والجهة التي ينتمي إليها الفريق الرياضي. ويتمثل العنف والشغب الرياضي في جملة السلوكيات والممارسات غير الأخلاقية وغير المسؤولة التي يقوم بها أفراد أو مجموعات تجاه الفريق أو الجماهير المنافسة. وتتجسد هذه الممارسات في رفع الشعارات واللافتات المعادية للطرف المقابل والتفوّه بالعبارات النابية والمتعارضة مع السلوك الرياضي وكذلك ممارسة العنف المادي والتخريبي قبل وأثناء المباريات الرياضية وبعدها من خلال العنف الجسدي والتكسير والحرق. فالعنف الرياضي هو باختصار جملة الأفعال والممارسات التي ينجرّ عنها ضرر مادي ومعنوي للفريق المنافس ولجماهيره وكذلك العبث بالممتلكات العامة والخاصة.

2. النسق التاريخي لتطور ظاهرة العنف الرياضي

لا نستغرب كثيرا من العنف الذي نلاحظه يوميا وتعيشه كل ملاعب كرة القدم في العالم، خاصة وأنّ هذه الظاهرة موغلة في التاريخ، حيث بدأت مع الرومان من خلال العنف الذي كان يتعرّض له العبيد من طرف الأسياد بدعم من السلطة الرومانية. ثم تطوّر هذا المفهوم في بريطانيا أواخر القرن التاسع عشر من خلال تأسيس جماعة الهوليقانز، وهي الجماعة التي تستقطب الفئات المتعصبّة لفرقها الرياضية. وتتجسّد ممارساتها في إحداث الشغب أثناء المباريات الرياضية وبعدها عبر التعدّي على الممتلكات الخاصة والعامة والاعتداء بالعنف الجسدي على الجماهير الرياضية المنافسة. كما تتخذ هذه الجماعات العنف الرياضي بذريعة التعبير على مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية. ونشير إلي أنّ جماعة "الهوليقانز" قد استمّدت تسميتها من اسم الايرلندي باتريك هوليقانز الذّي كان يفضّ مشاكله وخلافاته مع الآخرين بواسطة العنف المادي. وقد ألقت هذه الجماعات بظلالها على الجماهير الرياضية في بقية أنحاء العالم، حيث شهدت ستينات القرن العشرين ميلاد جماعات الإيلترا Ultra في إيطاليا والتي تماثل نزعتها العدوانية نزعة عنف وشغب الهوليقانز البريطاني في ملاعب كرة القدم. وهكذا تطور العنف الرياضي ليصل إلى الحالة غير الرياضية التي أصبحت تعيشها ملاعب كرة القدم في العالم والتي انعكست سلبا على المجتمعات المحلية والإقليمية والدولية.

3. الإعلام الرياضي والعنف في الملاعب الرياضية

يعدّ الإعلام الرياضي من أبرز العوامل المؤثرة في مجالي الرياضة والتربية البدنية، حيث يستطيع بوسائله السمعية والبصرية والمكتوبة أن يطور المجال الرياضي ليستجيب لطموحات المجتمعات المحلية والدولية، خاصة وأنّ الرياضة في وقتنا الحالي قد تطورت من مجرد هواية إلى ما يسمّى بالاحتراف. وهذا يعني أننا أصبحنا نتحدث عن استثمار في العنصر البشري وفي البنية التحتية والفضاءات الرياضية من ملاعب ومراكز للتدريب ونزل وغيرها من الفضاءات الأخرى. لكن رغم الدور الذي من المفترض أن يلعبه الإعلام الرياضي في بناء وتنظيم وتطوير هذا القطاع، فإنّه أصبح في العشرية الأخيرة سبب مصائب الرياضة ونكستها، خاصة فيما يتعلق برياضة كرة القدم.

يقوم الإعلام الرياضي في السنوات الأخيرة بعديد الأدوار السلبية والتي يمكن أن تكون من أبرز العوامل المساهمة في تغذية العنف والشغب في ملاعب كرة القدم. فالتعصّب والانتماء الواضح والعلني لفرق دون أخرى وعدم التزام الحيادية وغياب الحرفية المهنية أثناء التعاطي مع المسائل الرياضية قد يؤدي إلى ردة فعل غير محسوبة العواقب من طرف جماهير ومحبي الفرق الأخرى. كما تسهم الحوارات التلفازية المهتمة بتحليل مباريات كرة القدم والتي يشارك فيها ممثلي الفرق الرياضية والمتعصّبين لفرقهم في تأجيج الصراع بين الجماهير الرياضية. فكثيرا ما يجنح الصحافيون في الصحافة المكتوبة والمسموعة إلى استعمال عبارات وشعارات ذات الطابع الحماسي والمبّطن بالعنف الرمزي الموجّه بطريقة غير مباشرة للجماهير الرياضية وللمتابعين للشأن الرياضي، ومن ذلك "مقابلة نارية"، " المقابلة المصيرية"، "حرب الأقدام"، "موقعة ملعب x"، "سيكون الملعب مقبرة الفريق y"

لم يرتقي الإعلام الرياضي في أغلب الدول وخاصة في بلدان العالم الثالث إلى مستوى الاحترافية والحيادية في التعامل مع المسائل الرياضية، الأمر الذي أسهم بدرجة كبيرة في نشر ثقافة العنف المادي والمعنوي داخل ملاعب كرة القدم وخارجها: حرق السيارات الخاصة ووسائل النقل العمومي وإتلاف البنية التحتية الرياضية والفتك بالمحلات التجارية والصدام مع المؤسسة الأمنية... فالتعاليق الإعلامية والعناوين المكتوبة بالخط الكبير على واجهات الصحف والتي تتضمن عبارات استفزازية من شأنها أن تنعكس على سلوكيات وتصرفات الجماهير الرياضية والتي قد تقدم على أفعال وممارسات تكون نتائجها وخيمة على السلم والأمن الاجتماعيين في الداخل والخارج.

4. حلول ومقترحات

يمكن أن يستعيد الإعلام الرياضي دوره الفعال في بناء القطاع الرياضي على أسس ودعائم صلبة، تكون بمثابة صمّام الأمان أمام المحاولات الرامية إلى زعزعة هذا القطاع الحيوي والذي يعتبر المتنفّس الرئيسي للملايين من الجماهير الرياضية، وذلك عبر:

* مراجعة التكوين النظري والتطبيقي الذي يخضع له الإعلاميين الرياضيين، ليستجيب لمتطلبات العمل الصحفي الصحيح الذي يرتكز على الحرفية في التعامل مع المسائل الرياضة وعلى الحيادية التامة.

* نبذ التعصّب الرياضي والتصدي له عبر الحوارات والمناقشات البنّاءة بين الرياضيين وعيّنات من الجماهير الرياضية والحكّام والسلط الإدارية.

* إدراج مادة التربية البدنية والرياضية في البرامج التعليمية على أن تدرّس بصفة نظرية وتطبيقية، والهدف من ذلك تربية الأطفال والمراهقين على مفاهيم الروح الرياضية والمنافسة الشريفة واحترام المنافس.

* تفعيل دور الهيئات الرقابية من أجل مراقبة وتقييم أداء البرامج الرياضية والحدّ من التطرّف الرياضي.

* التزام كل الصحفيين الرياضيين بالميثاق الرياضي المحلي والدولي ومعاقبة كل مخلّ بهذه العهود والمواثيق حتى نؤسس بالفعل لأجيال تفرح عند الانتصار وتصفّق للفائز أثناء الانتصار، أجيال متشبّعة بثقافة المنافسة الشريفة والروح الرياضية واحترام المنافس ونبذ العنف والتعصّب الرياضي.

 

هل اعجبك الموضوع :
author-img
Arbi Jabli, chercheur en sociologie et spécialiste en sciences de l'éducation

Commentaires