القائمة الرئيسية

الصفحات

الصراع الليبي- صراع تنفيذ الأجندات والمصالح الإقليمية والدولية




الصراع الليبي:  صراع تنفيذ الأجندات والمصالح الإقليمية والدولية 

الصراع الليبي- صراع تنفيذ الأجندات والمصالح الإقليمية والدولية

تمر الدولة الليبية في الفترة الاخيرة بمرحلة صعبة للغاية، حيث أصبحت أرضية ملائمة لجملة من الصراعات الداخلية والاقليمية والدولية. فقد بدأ هذا الصراع بسيطا وواضحا بين فاعلين سياسيين واجتماعيين ليبيين ليبلغ بعد ذلك درجة عالية من التعقيد. ويكمن هذا التعقيد في كون هذا النوع من الصراع لم يعد تلك الحالة من عدم الاعتراف بالشرعية الدولية وبنتائج الانتخابات بين الجماعات الليبية، بقدر ما كشف عن نمط جديد من الصراع الذي أوجده فاعلون إقليميون ودوليون بهدف تحقيق دوافعهم السياسية والاقتصادية. من هذا المنطلق يحقّ لنا أن نتساءل: - هل أنّ ما تعيشه ليبيا في الوقت الراهن هو نتيجة لصراع سياسي داخلي أم لصراع إقليمي ودولي يهدف إلى السيطرة على الثروات الليبية؟

يتميز المجتمع المحلي في ليبيا بطابعه القبلي، حيث تتوزع القبائل تقريبا على كامل البلاد. والجدير بالذكر أن هذه القبائل غير متجانسة، الأمر الذي تستحيل معه عملية الانسجام والتفاهم خاصة بعد الحراك الاجتماعي سنة (2011) ناهيك وأنّ الرئيس الراحل معمّر القذافي كان يبسط نفوذه على هذه القبائل بواسطة الترغيب تارة والترهيب تارة أخرى. فنحن إذن إزاء تحوّل عميق في طبيعة نظام ما قبل الثورة، تحوّل من الاستقرار إلى الاختلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وهذا ما شرّع الفوضى والعنف والهروب من إكراهات النسق التي لازمتهم لعقود.

إنّ غياب الوعي الجمعي وفردنة القرارات الحاسمة التي يضطلع بها الفاعلون السياسيون قد أسهم بدرجة كبيرة في تشتيت صفوف الليبيين وفسح المجال أمام التجاذبات السياسية خاصة بين القبائل المؤثرة في المشهد الليبي. وعلى هذا الأساس تأجج الصراع المحلّي، واختلفت المواقف بين داعم لجبهة معيّنة ورافض لجبهة أخرى.

لقد أدت الرغبة في الحكم والسيطرة إلى تهديد السلم والأمن الاجتماعيين، الأمر الذي فرض على المجتمع الليبي حتمية الاصطفاف ومناصرة قطب دون آخر. يقول بيار بورديو في هذا السياق:« إن استراتيجيات إعادة الإنتاج المتعددة والتي هي في ذات الوقت مستقلة إلى درجة الصراع والتي يدبرها كل الأعوان المعنيين، هذه الاستراتيجيات هي التي تساهم باستمرار في إعادة إنتاج البنية الاجتماعية. ولكن بمشاكل وخسائر ناتجة عن التناقضات الملازمة للبنى وللصراعات أو التنافس بين الأعوان».[1]

لا شكّ أن تأجج الصراعات العسكرية بين الفاعلين الليبيين والرغبة في حكم ليبيا كانت لهما انعكاسات سلبية على المجتمع الليبي. فتنامت العديد من الظواهر الخطرة التي عصفت باستقرار هذا المجتمع وبكيانه. وأصبحت ليبيا ملاذا آمنا لشبكات الإرهاب والتهريب وتجارة السلاح. وكنتيجة طبيعية لهذا الوضع، ارتفعت مؤشرات الفقر والتهميش والبطالة والاقصاء. وهي الظواهر التي أدت الى انخراط المجتمع المحلي في عملية المقاومة المسلحة ومصارعة البنى للنظام من أجل استمرارية البقاء. وهكذا تحققت أهداف واستراتيجيات القوى الطامعة في الثروات الليبية. وتعتمد هذه الاستراتيجية على مبدأ انتشار الفوضى والدمار والصراع بين الليبيين لتسهل عملية تدخل القوى الانتهازية والسيطرة على ثروات ليبيا.

من الواضح أو بالأحرى من الفاضح ما تسعى اليه القوى الاستعمارية من تفكيك النسيج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وتدمير البنية التحتية في ليبيا والفوز بنصيبها من إعادة الإعمار والفوز بعقود طويلة الأمد في مجال البترول. ومن أبرز هذه القوى فرنسا وروسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا و قطر والإمارات العربية.

يسعى كل المتدخلين في الوضعية الليبية إلى رسم استراتيجياتهم وفق دوافعهم السياسية والاقتصادية ضمن منطقي الربح والخسارة. وعلى هذا الأساس تسعى كل دولة الى دعم الجبهة الموالية لها بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة:

  • الدعم اللوجستي والدعم العسكري.
  • بناء تحالفات سريّة بين الاطراف الطامعة ودعم الجبهة الموالية لها (سياسة المحاور).
  • دعم الفوضى في ليبيا عبر الاستنجاد بالشبكات الارهابية.
  • تسخير الترسانة الإعلامية والتكنولوجية لتعزيز تواجدها المادي والمعنوي في ليبيا.
  • تعزيز الانقسامات في ليبيا ومحاولة إفشال كل محاولات التوافق والتقارب التي تسعى إليها بعض الدول مثل تونس والجزائر ومصر.

بناء على ما تقدم، ومن خلال معاينة وتحليل الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في ليبيا، نتكهّن بنجاح القوى الإقليمية والدولية في تحقيق طموحاتها السياسية والاقتصادية، التي ستؤدي حتما إلى انهيار ليبيا والسيطرة على ثرواتها الباطنية. وما يعزّز تأكيد هذه الفرضية، عدم وعي المجتمع المحلي الليبي بخطورة الوضعية التي تعيشها البلاد وعدم التفطن لهذه المؤامرة، الهادفة إلى حصرهم في زاوية العنف. ولسائل أن يسأل: هل تستطيع تونس والجزائر ومصر إنقاذ ليبيا من هذه الوضعية الصعبة التي قد تعصف بكيانها ؟؟

 




[1] Bourdieu P. Loïc Wacquant, Réponses. Pour une anthropologie réflexive, Paris, Editions du Seuil, 1992, P.114.   

هل اعجبك الموضوع :
author-img
Arbi Jabli, chercheur en sociologie et spécialiste en sciences de l'éducation

Commentaires