
التسول في البلدان العربية - أسباب الرفض ومبررات القبول
يطرح التنامي المستمر
لظاهرة التسول في العالم العربي جملة من الاشكاليات والتساؤلات، حيث بات من
الضروري دراسة هذه الظاهرة، دراسة سوسيولوجية نبرز من خلالها الأسباب الحقيقية
التي أدت إلى استفحال هذه الظاهرة في المجتمعات المحلية. ونتعرض من خلال هذه
الورقة البحثية إلى انعكاسات ظاهرة التسول على المجتمعات العربية ومدى تأثيرها على
السلم والأمن الاجتماعيين، خاصة في ظل توسع دائرة أولئك الموجودين على هامش
المجتمع والذين يعانون من الفقر والتهميش والاقصاء. وللإلمام بمختلف الجوانب
المحيطة بهذه الظاهرة، نقدم المحتويات التالية:
·
النسق التاريخي لتطور ظاهرة التسول في
البلدان العربية.
·
أسباب تنامي ظاهرة التسول.
·
طرق التسول وآلياته.
·
نظرة المجتمع العربي لظاهرة التسول
·
مقترحات وحلول.
1. النسق التاريخي
لتطور ظاهرة التسوّل في البلدان العربية
التسول هو ظاهرة قديمة ،
بدأت مع تواجد الإنسان البدائي. أي أنّها بدأت بسيطة ثمّ ارتقت إلى درجة التعقيد
في وقتنا الحالي. ويكمن هذا التعقيد في كون هذه الظاهرة لم تعد تلك الحالة من
الخصاصة والحرمان الذي يدفع المتسول إلى طلب المساعدة من الآخرين من أجل تلبية
حاجياته الحياتية، بقدر ما يكشف عن نمط جديد من الممارسات والسلوكيات التي يقوم
بها المتسول من أجل تحقيق دوافعه الاجتماعية.
يرى العديد من المتسولين
أنّ التسول هو الوسيلة الوحيدة التي يستطيعون بواسطتها تحقيق أحلامهم الاجتماعية
والاقتصادية، خاصة وأن التسول لا يتطلب إعدادا ماديا أو جهدا بدنيا. وعلى هذا
الأساس ، تطوّرت ظاهرة التسوّل عبر التاريخ من مجرّد طريقة لاستمالة الأغنياء من
أجل مساعدة المحتاجين والفقراء إلى مهنة يختص بها مجموعة من الأشخاص تكون لهم
القدرة على التأثير على عواطف وأحاسيس الآخرين وتكون لهم البراعة الكافية
للاستجداء والتخفي والترصّد.
2. أسباب تنامي ظاهرة التسول في البلدان العربية
رغم التنظيم المحكم الذي
كان يتميز به المجتمع العربي، والذي تضبطه جملة من القيم والمبادئ (الأنفة، الكرم،
عزّة النفس، التعاون...)، فقد لاحت على هذا المجتمع في العقدين الأخيرين مظاهر
التفكك الأسري والتهرب من اكراهات المجتمع المحلي وضوابطه الدينية والاجتماعية
والأخلاقية. كما لم يعد لمفهوم "التضامن الآلي " أيّ معنى. وقد أسهم هذا
التحوّل الجذري في طبيعة المجتمع العربي إلى تنامي ظاهرة ما يسمّى " التسول
". ومن أبرز أسباب استفحال هذه الظاهرة في المجتمع العربي:
1.2 التفكك الأسري
أسهمت العولمة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية
والسياسية في خلخلة التماسك والترابط الأسري. فأضعفت قوة الضبط الاجتماعي
والمتمثلة في التجانس وعدم الحياد عن الأعراف والتقاليد والعادات وأنماط السلوك
التي توارثتها الأجيال. فنحن إذن إزاء هدم للمجتمعات العربية وإعادة بنائها من
جديد، لتتماشى وطبيعة النظام المعولم. ومن أبرز مظاهر التفكك الأسري: عدم التزام
الأبناء بتعهداتهم تجاه عائلاتهم، وخاصة عدم الإحاطة المادية والمعنوية بالأبوين
في فترة الشيخوخة والعجز. فتملّص الجميع من مسؤولياتهم العائلية بسبب الأنانية
والفردانية.
2.2 الفقر والتهميش
بسبب مناويل التنمية الفاشلة وغير المدروسة
والتي في أغلب الأحيان هي مناويل فرضتها دول المركز على الدول العربية لأهداف
ودوافع جيو- سياسية وجيو-اقتصادية، تعاني المجتمعات المحلية العربية من الفقر
والتهميش والإقصاء. فأغلبية المجتمعات العربية أصبحت عاجزة وغير قادرة على تلبية
حاجياتها الأساسية من تغذية وصحة وتعليم. وأمام عدم توفر فرص للعمل، يكون التسول
ملجأ الفقراء والمهمّشين. فالفقر باختصار "عدم القدرة على تحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة" (1).
3.2.العولمة والتسول
فرضت العولمة الاقتصادية والسياسية على
البلدان العربية نظاما اقتصاديا يتماشى مع الرأسمالية الجديدة. وقد أدى هذا الأمر
إلى ارتفاع نسب البطالة بسبب افلاس الشركات الصغرى والمتوسطة واندثار الصناعات
الحرفية. فتوسعت دائرة أولئك الموجودين على هامش المجتمع، الذين انخرطوا قسرا في
ما يسمّى بالتسول تلبية لحاجياتهم الحياتية.
4.2 الثورات العربية
أثّر الحراك الاجتماعي الذي شهدته العديد من
البلدان العربية سلبا في المجتمعات المحلية. فارتفعت نسب البطالة ومؤشرات الفقر.
وقد أسهمت هذه الثورات في تشرّد العديد من العائلات التي باتت تفتقر لأبسط مقومات
العيش البسيط من مأكل وملبس وسكن. ومن ثمّة تنامت ظاهرة التسول وباتت تمثل حبل
النجاة الوحيد لأغلبية العائلات المهاجرة من أوطانها الأصلية.
3 التسول وآلياته
تتعد طرق التسول وتتنوع من بلد إلى آخر.
فهناك التسول المباشر وهناك التسول غير المباشر.
1.3 التسول المباشر وآلياته
وهو النوع الذي يكون فيه المتسول متواجد على
الميدان. فيختار الأماكن المزدحمة وخاصة الأماكن المجاورة لدور العبادة. وعادة ما
يصطحب المتسول بطاقة إعاقة أو شهادة تثبت مرضه وعجزه البدني. وتعتبر ظاهرة التسول
من أخطر الظواهر التي تهدد السلم والأمن الاجتماعين، نظرا لتحولها إلى نشاط غير
شرعي تقوم به شبكات منظمة تعتمد على الأطفال وذوي الحاجيات الخصوصية من أجل تحقيق
غاياتها المادية.
2.3 التسول غير المباشر وآلياته
وهو النوع الذي يكون فيه المتسول متواجد
افتراضيا. فيختار شبكات التواصل الاجتماعي واليوتيوب والبرامج التلفازية
الاجتماعية من أجل الحصول على المساعدة المادية. وتشهد هذه الطريقة انتشارا واسعا
في البلدان العربية.
4 نظرة المجتمع العربي لظاهرة التسول
تباينت آراء المجتمعات
العربية حول ظاهرة التسول، بين رافض لهذه الظاهرة وبين داعم لها.
1.4 أسباب رفض ظاهرة التسول
ترفض الأغلية المطلقة
للمجتمعات المحلية ظاهرة التسول باعتبارها أصبحت بمثابة المهنة التي تضطلع بها
مجموعات مختصّة في التحيّل والتحايل من أجل الظفر بموارد مالية متأتية من إحسان
الفاعلين الاجتماعيين. وهذا ما ينمّي الاتكال على الغير ويقضي على دافعية العمل
وكسب الرزق من المجهود الخاص. كما تتسبب هذه الظاهرة في التعدّي على القيم
والمبادئ التي تتميّز بها المجتمعات العربية. وتنظر المجتمعات الغربية نظرة دونية
للمجتمعات المحلية العربية وتعتبرها مجتمعات متسولة.
2.4. أسباب
القبول بظاهرة التسول
إنّ الفقر والتهميش
والإقصاء الذي تعيشه أغلبية شعوب الدول العربية، قد أسهم بدرجة كبيرة في تنامي
ظاهرة التسول. بالإضافة إلى تملّص هذه الدول من تعهداتها تجاه شعوبها. وعلى هذا
الأساس، يرى بعضهم أنّ التسول ظاهرة اجتماعية حتّمتها الظروف الصعبة التي تعيشها
فئة واسعة من المجتمعات العربية.
5 اقتراحات وحلول
يمكن القضاء على ظاهرة التسول بواسطة:
·
مراجعة مناويل التنمية التي تعتمدها الدول
العربية والتي أثبتت فشلها الاقتصادي والاجتماعي.
·
الاعتناء بالفئات المهمّشة والتقليص من النسب
المرتفعة لظاهرتي الفقر والبطالة وذلك عبر الاستثمار في العنصر البشري وتشجيعه على
المبادرة .
·
مراعاة خصوصيات الاقتصاديات المحلية وعدم
الانصهار في النظام المعولم.
·
غرس ثقافة الاعتماد على الذات ونبذ ثقافة
التسول في المجتمع.
·
محاربة ظاهرة التسول وردع الشبكات التي تستغل
الأطفال والنساء والمسنين من أجل تحقيق دوافعهم المادية.
·
إلزام الأبناء على العناية بالآباء والأمهات،
خاصة المسنين منهم.
·
استغلال الثروات الباطنية والطبيعية من أجل
تحسين الظروف المعيشية للمجتمعات المحلية.
Commentaires
Enregistrer un commentaire