
كيف أتعامل مع المراهق؟
تعدّ المراهقة من أصعب وأدّق المراحل العمرية التي يمر بها الفرد. فهي
مرحلة الانتقال من طور الطفولة وما صاحبها من الاعتماد على الغير إلى مرحلة إثبات الذات والتحرّر من قوانين العائلة وإكراهاتها السوسيو-نفسية. وبما أنّ
طريقة التعاطي والتعامل مع المراهق تطرح العيديد من التساؤلات والاشكاليات، سنقدم
من خلال هذه الورقة البحثية وبطريقة مبسّطة مرحلة المراهقة وماهيتها والتغييرات الجسمانية والفيسيولوجية
والحركية التي تطرأ بصفة مفاجئة على المراهق، بالإضافة إلى السلوك الانفعالي الذي يتميّز به الفرد المراهق خلال هذه الفترة والناتج
عن جملة الصراعات الداخلية والخارجية. وللإلمام بمختلف الجوانب المحيطة بمرحلة
المراهقة، نتناول بالدرس المحتويات التالية:
- تعريف المراهقة.
- المراهق: من التبعية إلى إثبات الذات.
- الطريقة العلمية للتعامل مع المراهق.
1. تعريف المراهقة
المراهقة مصدر لفعل " راهق "، نقول راهق الطفل أي " اقترب "، وسميت هذه الفترة التي تبدأ في سن اثنتي عشرة
سنة تقريبا بهذا المصلح للدلالة على انتقال الفرد من مرحلة الطفولة إلى
مرحلة الرشد والبلوغ. وهذا يعني أن هذا الفرد اقترب من من عالم الكبار ولم يبلغه بعد. فهي المرحلة النمائية التي يمر فيها الفرد غير الناضج جسميا وعقلي وانفعاليا واجتماعيا إلى بداية النضج الجسمي والعقلي والانفعالي والاجتماعي.
فهي باختصار مرحلة إثبات الذات والتحرّر من قيود الآخر وإكراهاته السوسيو-نفسية.
ونشير إلى أنه رغم التوفّق في تحديد بداية مرحلة المراهقة، إلاّ أنه يصعب تحديد
نهايتها. وعلى هذا الأساس تمّ تقسيم هذه المرحلة إلى ثلاث مراحل مختلفة، وهي المراهقة المبكّرة والمراهقة
الوسطى والمراهقة المتأخرة.
تقترن فترة بلوغ الفرد بجملة من التغييرات الجذرية التي
تشمل شكل جسمه وانفعالاته وسلوكياته ومعاملاته العائلية والاجتماعية. وقد تؤدي هذه
التغييرات المفاجئة إلى شعور المراهق بالصدمة وبالاختلال النفسي والجسدي. فتراه يبحث عن ذاته التي ألفها وتعوّد عليها في فترة
طفولته، وفي نفس الوقت يجهد نفسه على التعرّف على هويته الجديدة التي فرضتها عليه مرحلة المراهقة.
يفقد الفرد توازنه النفسي نتيجة عدم قدرته على التكيف مع التغييرات الجسمانية والفيزيولوجية، وهذا ما يشعره بالتوتر والقلق والكآبة، وتتنامى لديه الرغبة في استرجاع هويته المفقودة وفي
نفس الوقت يسعى إلى إثبات ذاته ودعم هويته الجديدة. فيعيش صراعات داخلية وتتنازعه العديد من الأسئلة المرتبطة بهذه المرحلة: من
أنا؟ هل سأبقى في تبعية للآخر؟ هل أستطيع أن أحقق استقلاليتي؟ هل أنا مسؤول عن
أموري الشخصية؟ هل سأنجح؟ وغيرها من الأسئلة الأخرى التي عادة ما ترتبط بطبيعة هذه
المرحلة العمرية.
يركز الفرد خلال فترة المراهقة على إثبات ذاته والتحرر من إكراهات النسق وضغوطاته. وهذا ما يفسّر تردده وارتباكه في أخذ القرارات التي عادة ما تكون متسرّعة. وتشمل هذه القرارات عادة اختيار الأصدقاء وطريقة تعامله مع العالم الخارجي ومستقبله الدراسي ومظهره الخارجي ونسق أكله ونومه وموقفه من العادات والتقاليد. وتسمّى مرحلة المراهقة بمرحلة الرفض، حيث يرفض الفرد القيم والمبادئ التي تقوم عليها العائلات وتنبني عليها المجتمعات. فيسعى إلى التأسيس لعالمه الخاص، أين ينسج طموحاته الاجتماعية والمهنية ويشبع رغباته الجنسية، وفي هذه الحالة يسعى إلى تغليب " الأنا " على " الهو " وعلى " الأنا الأعلى ".
3. كيف نتعامل مع الفرد المراهق
من البديهي أن تكون مرحلة المراهقة من أهم المراحل
العمرية التي يمر بها الفرد، بل ومن أخطرها على الإطلاق. ففي هذه المرحلة تتشكّل
الملامح الكبرى لشخصية الفرد ويتحدّد مستقبلها الاجتماعي والعائلي والمهني. وعلى
هذا الأساس يجب أن يكون للمتعاملين والمباشرين لهذه الفئة العمرية، الدراية
الكافية بخصائص وخفايا هذه المرحلة. ولمساعدة الفرد المراهق على تخطي هذه المرحلة
بسلام، يكون لزاما علينا الأخذ بعين الاعتبار النقاط التالية:
- تهيئة المراهق نفسيا للدخول في هذه المرحلة من خلال الحوار البنّاء وتداول المواضيع ذات الصلة ويكون ذلك
عبر نوادي التربية على الصحة التي تنظمّها المؤسسات التربوية بالتعاون مع
المختصّين في علم النفس وعلم الاجتماع. وبذلك نجنّب الطفل صدمة المراهقة وما يصاحبها من تغييرات جسمانية
وفيزيولوجية ونفسية.
- الإحاطة العائلية بالمراهق من خلال ربط علاقات تفاهم وانسجام معه،
والابتعاد عن العنف البدني واللفظي والرمزي. وتحسيس الفرد المراهق بمكانته
ودوره الفعّال في العائلة وفي المجتمع. وإشعاره بأنه فرد مستقل ومسؤول على تصرّفاته داخل العائلة
وخارجها.
- دعوته إلى ممارسة الرياضة والاستماع إلى الموسيقى وممارسة هواياته
المفضّلة. فهذه الهوايات تمتصّ كل شحناته الانفعالية وتجنّبه الانزواء والكآبة والقلق. وبذلك نضمن عدم انخراطه في ممارسات منافية للسلوك
السوي (تعاطي المخدرات، التدخين، الكحول...).
- تعزيز ثقة المراهق بنفسه من خلال تكليفه بأعمال ومسؤوليات الكبار. فيشعر أنه بالفعل انتقل
من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الكبار.
- يتأثر المراهق بشخصية من العائلة أو بشخصية من الوسط الفني أو الرياضي أو
المدرسي ويمكن أن تكون شخصية تاريخية أو افتراضية، ومهما كانت الشخصية فلا
يمكن في أي حال من الأحوال انتقادها أو إبراز سلبياتها إن كانت لها سلبيات،
بل يجب توجيهه وإرشاده بطريقة حذرة ومدروسة لثنيه عن التطبّع بخصال هذه
الشخصية غير المرغوب فيها.
- في حالة عدم تكيف المراهق مع وضعيته الجديدة وتعرّضه لصعوبات نفسية
واجتماعية، فمن الأفضل أن تتم دراسة حالته من قبل أخصائي نفساني واجتماعي.
Commentaires
Enregistrer un commentaire