القائمة الرئيسية

الصفحات



التهريب زمن العولمة

 التهريب زمن العولمة

تنامت في السنوات الأخيرة ظاهرة التهريب في جميع دول العالم، واستفحلت خاصة في بلدان العالم النامي. وما يميّز هذه الظاهرة هو التحوّل السريع في طبيعتها وماهيتها، حيث تحولت من مجرّد عمليات بسيطة في المناطق الحدودية إلى عمليات منظّمة ومعقّدة. ويكمن هذا التعقيد في كون هذه الظاهرة لم تعد تتلخص في تهريب بعض المواد الاستهلاكية البسيطة، بل تجاوزتها إلى عمليات تهريب الآثار والمخطوطات والبشر والأعضاء البشرية والسلاح والمخدرات وغيرها من المواد الأخرى. فما التهريب؟ وماهي أسبابه؟ وماهي تداعياته على المجتمعات المحلية والدولية؟ وهل يمكن القضاء على هذه الظاهرة والسيطرة عليها؟

1. تعريف التهريب

التهريب هو عملية إدخال بضائع ومنتوجات بلد معيّن أو إخراجها منه بصفة غير قانونية، أي دون أداء الرسوم الجمركية. ومن أبرز أنواعه: التهريب عبر الحدود والتهريب عبر الموانئ والمطارات.

2. أسباب التهريب

أسهمت الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتأزّمة التي يمر بها العالم في السنوات الأخيرة في تنامي ظاهرة التهريب واستفحالها في جلّ بلدان العالم. فمن خلال دراستنا لهذه الظاهرة، توصلنا إلى أن أسباب تنامي التهريب تعود إلى أسباب موضوعية وأخرى ذاتية.

1.2.أسباب ذاتية

تحوّل الصراع بين الدول العظمى والمتقدمة، من صراع عسكري إلى صراع اقتصاديّ، من أجل السيطرة على العالم وخاصة إحكام قبضتها على الدول النامية. فقد شهد القرن الحادي والعشرين بروز قوى اقتصادية وتكنولوجية جديدة (الصين والهند وكوريا الشمالية واليابان...)، التي أسهمت بدرجة كبيرة في رسم الملامح الكبرى للاقتصاد العالمي الجديد، حيث كانت "العولمة الخفيّة" أبرز آليات هذا التحوّل. وإذا قلنا العولمة الخفية فإننا نقصد ماكينة التهريب بأنواعها المختلفة (التهريب البرّي والجوّي والبحريّ).

وتتجسّد العولمة الخفيّة أو بالأحرى العولمة الوحشيّة في عمليات تهريب البضائع والمنتوجات من الدول المنتجة وترويجها في الأسواق الموازية عبر شبكات التهريب العالمية. فالشركات عبر وطنية، خاصة الشركات الأمريكية - الصينية تعمل وفق مبدأ " أنتج أكبر قدر ممكن وأروّج لأكبر عدد ممكن". فهي تراهن على استهداف أكثر عدد ممكن من الجمهور المستهلك عبر الأسعار المغرية وغير القابلة للمنافسة.

إنّ طريقة التعاطي مع ظاهرة التهريب في العديد من البلدان النامية يطرح العديد من التساؤلات، خاصة وأنّها تتعامل مع هذه الظاهرة بسياسة "غضّ البصر"، أي عدم محاربة التهريب بصفة جديّة. ونفسر هذا السلوك برغبة هذه الدول في إنعاش اقتصاداتها التي تعاني الركود حتّى وإن تمّ الاعتماد على التهريب بصفة خفيّة. فالتهريب يسهم في خلق ديناميكية اقتصادية واجتماعية في الدول التي تعاني الفقر والتهميش.

2.2.أسباب موضوعية

تمر أغلبية دول العالم في السنوات الأخيرة بأزمة اجتماعية واقتصادية حادة ممّا تسبّب في ارتفاع نسب البطالة والفقر. وعلى هذا الأساس، ينخرط أولئك الموجودون على هامش المجتمع في أنشطة التهريب من أجل تأمين مستلزماتهم ومتطلباتهم الحياتية. وهذا ما يفسّر تنامي ظاهرة التهريب خاصة في المناطق والمدن التي تشكو ضعفا واضحا في التنمية. فمناويل التنمية التي تعتمدها أغلبية الدول لا تستجيب لمتطلّبات وحاجيات المجتمعات المحلية. ونشير في هذا السياق إلى أنّ التهريب لم يعد حكرا على الطبقات المفقّرة والمهمّشة، بل أصبح النشاط المفضّل للعديد من الأغنياء والمحتكرين والفاسدين.

أصبح التهريب النشاط المفضّل والمربح للعديد من الشركات وأصحاب رؤوس الأموال، حيث يمكنهم من الثراء السريع ويجنّبهم أداء الضرائب والرسوم الجمركية، وهذا كلّه في إطار التهرّب الضريبي. وقد أسهم التهريب في صعود هذه الحثالة من المجتمع في السلم الاجتماعي، وأصبحت تدير شبكات تهريب محلية وعالمية.

3. انعكاسات التهريب على المجتمعات المحلية والدولية

إنّ استفحال ظاهرة التهريب في جميع دول العالم دون استثناء، كانت له تداعيات وانعكاسات خطيرة على السلم والأمن الاجتماعيين. فقد مرّ التهريب بسرعة من درجة البساطة والمتمثلة في عمليات تهريب بعض المواد البسيطة (غذاء، لباس، أدوات منزلية...) إلى درجة التعقيد.

استفادت شبكات التهريب من تكنولوجيا المعلومات. فتوسّعت أنشطها في جميع أنحاء العالم وتركّزت في بلدان العالم النامي خاصة. وهذا ما يبرز مدى خطورة ظاهرة التهريب. فقد اقترنت هذه الظاهرة بظواهر أخرى لا تقلّ عنها خطورة، ولعلّ أبرزها الإرهاب والتهرّب الضريبي وتجارة السلاح وترويج المخدّرات.

يهدد التهريب السلم والأمن الاجتماعيين خاصّة إذا اقترن بالظواهر التي سبق ذكرها، حيث تنامت ظاهرة تعاطي المخدرات وتروجيها في المدن الصغرى والكبرى والأرياف. وقد استفحلت في المؤسسات التربوية والجامعية وهذا ما دمّر أجيالا بكاملها. ومن ثمّة تنامت ظواهر السرقة والإجرام والبراكاجات والانقطاع المبكر عن الدراسة. فتكونت عصابات الشوارع والأحياء، حيث انتشر العنف اللفظي والجسدي والقتل وغيرها من العمليات الإجرامية.

إنّ أخطر أنواع التهريب، تهريب الأعضاء البشرية وتهريب الأثار. فقد نشطت في السنوات الأخيرة ما يسمّى الاتجار " بالأعضاء البشرية "، وتعددت قضايا الفساد والإجرام في المؤسسات الصحيّة. وهذا يعني أنّ المجتمع المحلي أصبح غير مؤمّن على صحته وعلى حياته وعلى أمنه. كما تركّز عمل عصابات التهريب على التجارة في الأثار والمخطوطات التاريخية نظرا لقيمتها المالية المرتفعة جدا. وهذا ما يؤدي حتما إلى طمس تاريخ الدول والتعدّي على الشواهد التاريخية التي توثّق الحضارات المتعاقبة في بلد معيّن.

4. كيف نسيطر على التهريب ؟

يمكن السيطرة على التهريب في حالة الأخذ بعين الاعتبار المقترحات والتوصيات التالية:
* بناء علاقات حدودية بين الدول من أجل محاربة التهريب والتجارة الموازية.
* إرساء مناطق للتبادل الحر بين جميع دول العالم للقطع مع التجارة الموازية والتهريب والقضاء على البطالة والفقر خاصة في المناطق المفقّرة والمهمّشة.
* محاربة الفساد الإداري والسياسي لأنّه من أكبر الدعائم التي يقوم عليها التهريب وبقية الظواهر الأخرى المرتبطة به.
* مراجعة مناويل التنمية لتتماشى وتطلّعات وطموحات المجتمعات المحليّة.
* مراجعة المبادئ التي تقوم عليها العولمة ومحاربة العولمة الخفيةmondialisation par le pas لأنها من أبرز العوامل المساعدة على تنامي التهريب بأنواعه المختلفة.

*·رقمنة الإدارات وتعويض العملات الورقية بالمعاملات المالية الرقمية، وبذلك نستطيع السيطرة على الأموال الجائلة أي التي لا تدخل في الحسابات المالية والبنكية، فنقضي على التهريب وعلى التهرّب الضريبي وعلى الأموال المجهولة المصدر والمتأتية عادة من التجارة الموازية والمخدرات والاتجار بالبشر.









 


هل اعجبك الموضوع :
author-img
Arbi Jabli, chercheur en sociologie et spécialiste en sciences de l'éducation

Commentaires