القائمة الرئيسية

الصفحات

التعليم الإلكتروني في البلدان العربية - الرهانات والتحديات




التعليم الإلكتروني في البلدان العربية - الرهانات والتحديات.

التعليم الإلكتروني في البلدان العربية - الرهانات والتحديات

   يعيش العالم اليوم في إطار المجتمع الشبكي، الذي وضعت دعائمه الثورة التكنولوجية والالكترونية التي شهدتها الانسانية منذ عقود. وقد أسهم هذا التطور في إحداث تغييرات عميقة في مجالات الاقتصاد والاجتماع والثقافة والتربية. ولئن راهنت أغلبية الدول منذ البداية على الثورة التكنولوجية من أجل تطوير مجتمعاتها المحليّة، فإنّ الدول العربية مازالت إلى وقتنا الراهن متمسكة بكل ما هو تقليدي وخصوصي ولم يفهم الفاعلون السياسيون والاجتماعيون أننا أصبحنا ننتمي إلى مجتمع معولم تحطمت معه كل الحدود الزمانية والجغرافية. ولسائل أن يتساءل على ماذا تراهن الدول العربية من اجل البناء، خاصة وأنها كانت في وقت قريب مستعمرات لقوى استعمارية جرّدتها من كل مقومات التقدم والتطور؟. 

  راهنت الدول العربية منذ استقلالها على التعليم واستثمرت في العنصر البشري من أجل تجاوز مخلّفات الاستعمار الكارثية. ورغم النجاحات التي حققها هذا التمشي، فإنّ هذه الدول لم تطور أنظمتها التربوية وحافظت على طابعها التقليدي الذي جعلها أنظمة متخلّفة لم تقو على مجابهة التغييرات المتسارعة التي يشهدها العالم من حين إلى آخر. فإلى أيّ مدي يستطيع التعليم الالكتروني بتقنياته التربوية الحديثة أن يرفع من أداء التعليم في البلدان العربية؟

1. مفهوم التعليم الالكتروني

  تعدّدت تعاريف التعليم الإلكتروني وتنوعت بحسب نظرة الباحث لهذا النوع من التعليم. ويمكن أن نعرف التعليم الالكتروني على أنه "ذلك النوع من التعليم الذي يعتمد على التقنيات التربوية الحديثة التي تسهّل عملية التواصل والتفاعل بين العناصر المكوّنة للعملية التربوية. وتتعدّد الوسائط الإلكترونية من بلد إلى آخر ومن مؤسسة تربوية إلى أخرى (أنترنيت، ويفي، حواسيب، سبّورة تفاعلية، منصات التفاعل عن بعد...)، وهي مصادر الحصول على المعلومة وتحليلهاtraitement de l'information. ويشمل التعليم الالكتروني التعليم المباشر والتعليم عن بعد أو ما يسمّى بالتعليم الافتراضي".

2. من التعليم التقليدي إلى التعليم الالكتروني

  إنّ المتتبع للأنظمة التربوية العربية، يلاحظ ضعف أدائها ومردوديتها وفشلها في مسايرة التطور الذي يشهده العالم المعاصر. وقد انعكست هذه الأنظمة التقليدية سلبا على العنصر البشري وعلى مختلف المجالات الأخرى: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد أسهمت هذه الأنظمة التربية المتهالكة في تخلف الشعوب العربية وتقهقرها إلى أسفل المراتب في السلم العالمي.

  أسهمت العديد من العوامل الداخلية والخارجية في تأزّم الوضعية التعلّمية - التعليمية. فغياب المبادرات الهادفة إلى تغيير الوضعية التربوية والتشبّث بما هو تقليدي ، جعل النظام التربوي العربي غير مرتّب على مستوى التصنيف العالمي للأنظمة التربوية. فمن البديهي أن يفقد التعليم نجاعته وأدواره الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في ظل المحافظة على آليات عمله التقليدية، والمتمثلة في استعمال السبّورة الخشبية والطباشير ومناهج تربوية غير محيّنة وغير متوافقة مع مخرجات البحوث التربوية والعلمية الجديدة. فالتلميذ أو الطالب في البلدان العربية هو بمثابة وعاء يجب ملؤه على مراحل وبالطريقة التلقينية - الميكانيكية التي تعتمد على باث للمعلومات ومتقبّل لها دون وعي ودون تعقّل لمحتواها.

  أمام تأزّم الوضعية التربوية برمّتها، يحاول الفاعلون التربويون والسياسيون في بعض البلدان العربية إلى إحداث ثورة تربوية تقطع مع السائد وتؤسس لنظام تربوي أكثر واقعية في التعاطي مع التحولات التكنولوجية والالكترونية التي يشهدها العالم اليوم. وإذا نظرنا إلى هذه المسألة من زاوية منظومية، فإنّنا ندرك مدى تشعبّ الوضعية التعليمية، فهي كلّ تتداخل فيه الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وهذا يعني أن نجاح النظام التربوي في بلد ما هو رهين الوعي الجمعي لمختلف الفاعلين في هذه الأنظمة الفرعية.

3. التعليم الالكتروني: الرهانات والتحديات

   من المعقول أن تقبع الدول العربية في عالم التخلف والتبعية المطلقة لدول المركز، لأنّها بكل بساطة همّشت أنظمتها التربوية وتغافلت بالتالي على أبرز مقوّم من مقومات النجاح والرقي. فالتقدم الذي حققته الدول العظمى لم يأت في حقيقة الأمر من فراغ، بل أن مراهنتها على التعليم وعلى العنصر البشري وتخصيصها لميزانيات معتبرة لأنظمتها التربوية، جعلها تخطو خطوات عملاقة نحو التميّز والتقدّم والتحضّر، وأمثلتنا عن ذلك كثيرة على غرار الصين وسنغافورة والتايوان واليابان وغيرهم. وعلى هذا الأساس أصبح الاهتمام بالتعليم في البلدان العربية ضرورة ملّحة من أجل إنقاذ المجتمعات المحليّة التي كانت ضحيّة لمناويل تنمية فاشلة.

   إنّ الطموح الذي يتسلّح به الفاعلون التربويون والرامي إلى الهدم وإعادة البناء في مجالي التربية والتعليم، سيصطدم بالأفكار الرجعية التي يحملها أغلبية السياسيين العرب، والذين يروا في أنظمتهم التربوية صمّام الأمان للمبادئ والقيم والعادات التي تميّز المجتمعات العربية. ولم يستوعب الفاعلون السياسيون والاجتماعيون والاقتصاديون أن السبيل الوحيد لتقدم الشعوب العربية هو مراهنتها الكلية على التعليم وعلى العنصر البشري. ولتتمكن الدول العربية من إعادة بناء مجتمعاتها على أساس الحداثة ودون طمس أصالتها، يجب عليها القطع مع الفكر المتصلّب الذي يلخّص دور المدرسة والمعهد والكلية في المحافظة على الخصوصية الثقافية والدينية التي تميّز المجتمع العربي. وكذلك مراجعة مناويل التنمية والاهتمام بالمؤسسات التعليمية والنظر للوضعية التربوية من زاوية منظومية لا من زاوية أحادية، أي التعويل على العمل التشاركي بين التربوي والبيداغوجي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي. ولعلّ أبرز العوامل المساعدة على النهوض بالتعليم وتحقيق نجاعته والرفع من أدائه، انفتاح المؤسسة التربوية على محيطها الاقليمي والدولي.

  لاشك أن محاولة تغيير وضع التعليم في العالم العربي وربطه بالتقنيات التربوية الحديثة، يطرح العديد من التحديات اللوجستية والمادية والمعنوية. فتهيئة البنية التحتية للمؤسسات التربوية يتطلب دعما ماديا من الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين والاقتصاديين وكذلك من الهيئات الأممية على غرار البنك العالمي للتنمية والمنظمات العالمية المهتمة بالتربية والتعليم في العالم النامي. وهذا الدعم ممكن الحصول عليه في حالة كانت لنا الرغبة الفعلية في تحديث وتعصير نظامنا التربوي. كما أن الاستثمار في العنصر البشري يبدأ من خلال إيماننا بقدراتنا الفكرية والمعنوية التي تضاهي القدرات الذهنية لبعض الدول العظمى. فالإصلاح يبدأ من التلميذ إلى أعلى هرم في السلطة، الكلّ مطالب بإيجاد الحلول الجذرية وتقديم التصوّرات البنّاءة التي بواسطتها نركز الدعائم الصلبة التي يقوم عليها التعليم بصفة عامة والتعليم الالكتروني بصفة خاصة.

  هكذا ستبقى الدول العربية غارقة في وحل التخلّف والتبعية في حالة لم يهتم صنّاع القرار بالتعليم ومراجعة سياساتهم التنموية الفاشلة. فالسيطرة والقوّة التي تمتلكها الدول المتقدّمة، هي في حقيقة الأمر نتيجة لاهتمامها بالتعليم وبمؤسساتها التربوية والجامعية، حيث أنفقت بسخاء على أنظمتها التربوية إيمانا منها بأن مستقبل شعوبها ورخائها مرتبطا أشدّ الارتباط بمدى تطور تعليمها. ومن هذا المنطلق، أصبح من الضروري تأسيس انتفاضتنا وثورتنا الفكرية والاقتصادية والثقافية على أساس أنظمتنا التربوية التي بالإمكان أن نبنيها على قاعدة صلبة وأساس متين يمكننا من منافسة ومقارعة ما يسمّى "بالدول العظمى".

 




 

هل اعجبك الموضوع :
author-img
Arbi Jabli, chercheur en sociologie et spécialiste en sciences de l'éducation

Commentaires