القائمة الرئيسية

الصفحات

تعاطي المخدرات في الوسط المدرسي - كشف المستور وتوقع المحظور


تعاطي المخدرات في الوسط المدرسي - كشف المستور وتوقع المحضور

تعاطي المخدرات في الوسط المدرسي - كشف المستور وتوقع المحظور

تنامت في السنوات الأخيرة ظاهرة تعاطي المخدرات في الوسط المدرسي وترويجها، وهذا ما جعلها موضوع بحث ومتابعة، واستأثرت باهتمامنا من خلال هذه الدراسة السوسيولوجية التي ستمكننا من كشف المستور وفضح كل الجوانب الخفية والمخفية والمتعلقة بهذه الظاهرة الاجتماعية. كما يسعى هذا البحث إلى استشراف الواقع المدرسي في ظل التمادي المتصاعد لهذه الظاهرة وما ستؤول إليه الأوضاع في المؤسسات التربوية والجامعية. إنّ محاولتنا بيان حضور هذه الظاهرة في أبعادها الماكرو والميكرو سوسيولوجية، سيساعدنا حتما على إيجاد الحلول الكفيلة للتصدّي ومقاومة استفحال تعاطي المخدرات في المدرسة وفي محيطها الخارجي. وبناء على ما تقدّم، نطرح بعين الاستشكال المسائل التالية: - ماهي الأسباب والدوافع الحقيقية التي أدّت إلى تنامي تعاطي المخدرات وترويجها في الوسط المدرسي والجامعي؟ - كيف تنعكس هذه الظاهرة على المجتمعات المحلية والاقليمية والدولية؟ - إلى أي مدى يمكن أن نتصدّى إلى هذه الظاهرة واجتثاثها من مؤسساتنا التعليمية والتربوية؟

1. مفهوم المخدرات

   المخدرات في مفهومها العام، هي كلّ مادة مصدرها الطبيعة (الحشيش) أو تركيبة كيميائية تؤثر على الحالة الطبيعية للفرد وتجعله يتصرّف دون وعي مع نفسه ومع المحيطين به. فهي في بعض الأحيان منشطة وأحيانا أخرى مهدئة للجسم والعقل. ولا يستطيع مدمن المخدرات الاستغناء عليها أو التقليل منها لأنها تسبب له حالة من الهيستيريا والألم النفسي والجسدي.

2. أسباب تنامي المخدرات في الوسط المدرسي

تعددت أسباب تعاطي المخدرات في المؤسسات التربوية، منها الأسباب العائلية والأسباب الاجتماعية والأسباب النفسية وغيرها من الأسباب الأخرى. وتختلف درجة تطوّر وتنامي هذه الظاهرة من دولة إلى أخرى ومن وسط اجتماعي إلى وسط آخر (الريف والمدينة). ومن خلال دراستنا إلى هذه الظاهرة، توصلنا إلى تحديد الأسباب الرئيسية التالية:

1.2. التفكّك الأسري

   مثلت التحولات العميقة التي شهدتها المجتمعات المحلية والعالمية منتصف القرن الماضي، المنعرج الحاسم الذي أثّر في التماسك الأسري، ونعني بذلك التحوّل من مجتمع تقليدي إلى مجتمع حداثي تحطمت معه كل الضوابط والقيم والمبادئ القديمة. فتغيّرت التصورات المعيارية للمجتمع على المستوى القيمي والايتقي وتوسّع هامش حرية الفاعلين الاجتماعيين وتعزّز مجال الفردانيات وفي مقابل ذلك تراجعت مفاهيم التماسك والاندماج في النسيج المجتمعي إلى أدنى المستويات.

في خضّم هذه التحوّلات، يجد التلميذ أو الطالب نفسه في عزلة داخل الفضاء الأسري بسبب الضغط الذي أصبحت تعيشه الأسرة بسبب متطلبات الحياة المتزايدة وخروج الوالدين للعمل وبالتالي غياب التأطير والرعاية الأسرية، وهذا ما دفع التلميذ إلى بناء عالمه الخاص. وبذلك تلاشى الأنا الجمعي تدريجيا وحلّ محله الأنا الفردي بمغامراته غير محسوبة العواقب. فنحن في هذا الصدد نتحدث عن خلخلة صلب النسيج المجتمعي، ما يدفع التلميذ المتأزم نفسيا وعائليا واجتماعيا إلى تجاوز ذاتيته المحبطة عبر تعاطي المخدرات بجميع أنواعها.

2.2. الأنظمة التربوية وإخلالاها السوسيو- نفسية

تتبع أغلب دول العالم نظاما تعليميا يقوم على مراكمة المعرفة عبر الكم الهائل من المواد التي تتعدى في كثير من الأحيان طاقة التلميذ الفكرية والذهنية والبدنية. فعدم مراعاة الجانب الإبداعي للتلميذ أو الطالب من ناحية . وغياب شبه التام للمرافق الترفيهية والثقافية داخل المؤسسات التربوية، من ناحية أخرى، سيجعل التلميذ يعيش الملل والروتين ويسعى بالطرق غير الشرعية إلى الإفلات من إكراهات المدرسة والانخراط في شبكات تعاطي وترويج المخدرات لاتزال المنظومة التربوية خاصة في البلدان النامية تعتمد نظاما تربويا تقليديا يتمثل في التلقين الذي ينعكس سلبا على سلوك التلميذ داخل المؤسسة وخارجها .فالمؤسسات التربوية أضحت تتعامل مع التلميذ على انه رقم وتناست الجانب النفسي والسوسيو- ثقافي والسوسيو- اقتصادي للتلميذ. كما تقوم العلاقات داخل المؤسسة التربوية على مقاربة تسلطية تقصي التلميذ وتجعله خارج دائرة التبادل المعياري. فالعلاقة بين التلميذ والعناصر المكونة للعملية التربوية هي علاقة عمودية تفتقر إلى الحوار و التفاعل المبني على مقاربة تشاركية بين جميع العناصر المكونة للوضعية التربوية.

3.2. المراهقة وانعكاساتها على سلوك التلميذ

يعيش التلميذ في فترة المراهقة صعوبات نفسية واجتماعية وتربوية، تجعله يتحيّن الفرص للإفلات من ضغوطات المؤسسة وقوانينها الصارمة. وتتميز هذه الفترة بالحساسية المفرطة تجاه كل العناصر المكونة للوضعية التربوية. يسعى المراهق إلى إثبات ذاته وتحقيق استقلاليته المادية والمعنوية، فيميل الى جماعة الزمرة وينخرط في عالم المخدرات وينساق إلى متاهاته المظلمة.

4.2. الفاعلون السياسيون: أيّة سياسة لمقاومة ظاهرة المخدرات؟

يطرح تعاطي المسؤولين السياسيين وصناع القرار مع التنامي المستمر لظاهرة المخدرات وتمكنّها من كل فئات المجتمع جملة من الاشكاليات والتساؤلات الخطيرة. ومن أبرز التساؤلات التي بات يطرحها الجميع : لماذا يتعامل السياسيون والأمنيون مع عصابات المخدرات بسياسة "غض النظر"؟ هل أن هذا التواطؤ مردّه الخوف من هذه العصابات المتنفّذة والقادرة على زحزحتم من مناصبهم المرموقة؟ أم المال الفاسد والمتأتي من تجارة المخدرات هو الذي موّل حملاتهم الانتخابية؟ أو أنّ الطمع والشجع في تكوين الثروات الطائلة هو سبب حماية تجارة المخدرات؟ وتعمل العديد من الدول على ترحيل هذه الظاهرة إلى مجتمعات أخرى بهدف زعزعة السلم والأمن الاجتماعيين فيها والسعي بطرق أخرى إلى السيطرة عليها عبر ما يسمّى "المساعدة في فرض النظام". وبهذه الطريقة تكون المخدرات من أبشع الأسلحة التي بواسطها يمكن تدمير مجتمعات بأكملها. ويمرّ هذا التدمير حتما عبر بوابة المؤسسات التربوية والجامعية.

3. علامات الإدمان على المخدرات

من المفترض أن تقوم جميع العناصر المكونة للعملية التربوية من مدرسين واداريين وأولياء وأخصّائيين نفسانيين واجتماعيين بمراقبة التلاميذ والإحاطة بهم وحمايتهم من ظاهرة تهاطي المخدرات والإدمان عليها. ويمكن حماية المؤسسة التربية من هذه الظاهرة من خلال السيطرة على الحالات التي يكون فيها التلاميذ من المدمنين على المخدرات. وتسطيع العائلة أو العناصر المكونة للعملية التربوية التعرّف على هؤلاء التلاميذ من خلال العلامات التالية:

- فقدان شهية الأكل وضعف الجسد والإرهاق البدني والنفسي.

 - العزلة وعدم الرغبة في التواصل مع الأطراف الأخرى في العائلة أو في المؤسسة التربوية.

 - تهيج واضح في الشعب الهوائية والأنسجة المخاطية.

 - العصبية الزائدة وردود فعل عشوائية.

 - يصبح سلوكه مزاجيا.

 - الاكتئاب والذهول وفقدان التركيز والرغبة في الدراسة.

 - اضطراب في أوقات النوم.

 - عدم الاهتمام بمظهره الخارجي.

 - تزايد طلباته المالية خاصة بعد فترة إدمانه على المخدرات.

وهكذا رغم أهمية المدرسة باعتبارها مؤسسة اجتماعية يراهن عليها صنّاع القرار في تنفيذ استراتيجياتهم وخططهم التنموية، فإنّها أصبحت مستهدفة من قبل عصابات المخدرات. وتهدف هذه الشبكات المختصّة في ترويج المخدرات إلى جعل المؤسسات التربوية سوقا مفتوحا لتجارة هذه الممنوعات. وفي حالة عدم وعي كل الفاعلين الاجتماعيين بخطورة هذه الوضعية، فإنّ النتائج ستكون كارثية على المجتمعات المحلية خاصة في البلدان النامية. فزعزعة السلم والأمن الاجتماعيين في بلد ما يعني انهياره الكلّي وانعدام فرصة نهوضه من جديد وبالتالي الإخلال بتعهداته التربوية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. باختصار لا خير في بلد لا يستطيع حماية مؤسساته من آفات خطرة أصبحت تنهش كيانه وتهدّد استقراره وازدهاره.

هل اعجبك الموضوع :
author-img
Arbi Jabli, chercheur en sociologie et spécialiste en sciences de l'éducation

Commentaires