القائمة الرئيسية

الصفحات

الشعوذة والسحر زمن العولمة - أسبابها وانعكاساتها على المجتمعات المحلية، البلدان العربية مثالا



الشعوذة  والسحر زمن العولمة - أسبابها وانعكاساتها على المجتمعات المحلية، البلدان العربية مثالا

الشعوذة والسحر زمن العولمة - أسبابها وانعكاساتها على المجتمعات المحلية

                  

تعتبر الشعوذة والسحر من أقدم الظواهر الاجتماعية التي بدأت مع الانسان البدائي وتطوّرت وتنامت في المجتمعات الحديثة. فرغم التطوّر العلمي والتكنولوجي الذي يعيشه العالم اليوم، فإنّ المجتمعات المحليّة في البلدان النامية وخاصّة شعوب البلدان العربية مازالت متعلّقة بهاتين الظاهرتين وتعتبرهما حبل النجاة من عديد الأزمات والقضايا المستعصية. كما أنّ ضغوطات العولمة وإكراهاتها كانت دافعا قويا لانخراط كل فئات المجتمع تقريبا في عالم الشعوذة والسحر. والغريب في الأمر أنّ من بين هذه الفئات نجد السياسيين والمثقفين والفنانين والرياضيين. وعلى هذا الأساس تنامى عدد المشعوذين والدّجالين والسحرة في أغلبية البلدان العربية وتمركزوا في مدنها وأريافها وأصبحت لديهم مقرّات ومكاتب عصرية تضاهي تلك التي يمتلكها الاخصائيون النفسانيون والاجتماعيون. فماهي الأسباب الحقيقية التي أدّت إلى استفحال ظاهرتي السحر والشعوذة في المجتمعات العربية؟ وماهي انعكاساتها على المجتمعات المحلّية؟ وكيف نستطيع محاربتها والقضاء عليها؟

1. العولمة وظاهرتي السحر والشعوذة في البلدان العربية

أسهمت العديد من العوامل في تنامي ظاهرتي السحر والشعوذة في العالم النامي واستفحالهما في البلدان العربية. واذا نظرنا إلى هذه المسألة من زاوية سوسيو- نفسية، فإنّنا نصنّف هذه الأسباب إلى أسباب نفسية وأخرى اجتماعية.

1.1. الأسباب النفسية

تطوّر نسق الحياة بصفة سريعة جدا خاصّة مع انخراط الدول النامية في العولمة. وقد أسهم التحديث القسري للدول النامية في تسليط ضغط نفسي على المجتمعات المحلّية التي لم تستوعب التغييرات الجذرية التي شملت طريقة العيش والعمل والتواصل ولم تتأقلم مع المبادئ الجديدة التي أتت بها العولمة. وعلى هذا الأساس، وبسبب القلق والاضطراب المتزايد، تلجأ مجتمعات العالم النامي وخاصة مجتمعات الدول العربية إلى المشعوذين والسحرة من أجل تخفيف هذا الضغط وذلك عبر استكشاف المستقبل والاطّلاع على ما تخفيه الأقدار. كما تؤمن الأغلبية من شعوب العالم الثالث بدور هؤلاء السحرة والمشعوذين في تغيير هذه الأقدار وبقدراتهم الخارقة في حلّ المسائل المستعصية.

2.1. الأسباب الأنتروبولوجية - الثقافية

تتميّز بعض الجماعات من الشعوب الافريقية والعربية بفكرها الهمجي على حدّ عبارة إدوارد بيرنت تايلور، ذلك أنّها تعتمد على السحر والشعوذة من أجل مجابهة متطلّبات الحياة وإكراهاتها السوسيولوجية والاقتصادية والثقافية. وقد أثبتت الدراسات الأنتروبولوجية أن هذه الشعوب ترى السحر على أنّه القوى الخارقة والقادرة على تحقيق الأماني والطموحات. فهو الوسيلة الوحيدة التي بواسطتها تستطيع هذه الجماعات الاطلاع على المستقبل واستكشاف المجهول وقراءة الطالع. ويذهب البعض إلى الاعتقاد بأنّ السحر هو ممارسات سويّة شأنه في ذلك شأن الممارسات الدينية الأخرى، وبذلك يصبح السحر بمثابة المعتقد الذي يجب أن تتوارثه الأجيال وينتفع بتطبيقاته الأفراد والجماعات.

2. انعكاسات السحر والشعوذة على المجتمعات المحلّية

إنّ استفحال السحر في المجتمعات العربية كانت له انعكاسات سلبية على بناء المجتمع وسلامته. فقد استثمر الدجّالون والمشعوذون والسحرة الثورة التكنولوجية للتحيّل على أكبر عدد ممكن من الجمهور المستهدف، ويكون ذلك عبر شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الاتّصال السمعي والبصري والاشهار المزيّف. وعلى هذا الأساس كانت انعكاسات هاتين الظاهرتين وخيمة على المجتمعات العربية، حيث تدمّرت الآلاف من العائلات وتشتّتت بسبب زيف وكذب هؤلاء الدجّالين والمشعوذين، خاصّة وأنّ أغلبية ضحاياهم من النساء وكبار السنّ. وقد تنامت في السنوات الأخيرة ظاهرة شغف السياسيين والفنانين والأثرياء بما يسمّى بقراءة الكف والفنجان من أجل الاطّلاع على خفايا المستقبل. وبذلك ازدهرت مهنة الدّجالة والشعوذة والسحر وأصبحت مصدر رزق وثراء فاحش. بالإضافة إلى جني المال بواسطة التحيّل، تنامت ظواهر أخرى قد تعصف بمبادئ وقيم المجتمعات المحليّة، ومنها التحرّش الجنسي وممارسة الجنس مع الضحايا النساء تحت غطاء ما يسمّى إخراج الجنّ وطلاقه من الضحيّة المريضة. وقد أدّت هذه الممارسات الهمجية إلى زعزعة استقرار وأمن وتماسك المجتمعات المحليّة.

3.سبل القضاء على السحر والشحوذة

لا ننكر صعوبة مقاومة ظاهرتي السحر والشعوذة في البلدان النامية، لأنّ هاتين الظاهرتين قد تغلغلتا في المجتمعات المحليّة الافريقية والعربية. لكن بالرغم من ذلك نستطيع محاصرة هذه الظواهر في مرحلة أولى وقضي عليها في مرحلة ثانية. وفي الإطار نقترح الخطوات التالي:

    • استفاد السحرة من الثورة التكنولوجية (واتساب، الفيس بوك، اليوتيوب...) لتنمية أنشطتهم التي تعتمد على النصب والاحتيال، ويمكن أن نستغلّ بدورنا وسائل التواصل الحديثة للتعريف بخطورة هذه الظواهر على المجتمعات المحليّة، وتقديمها على أنها وهم وخرافات وزيف، المراد منها تغييب وعي الأفراد والجماعات واستغلالهم لأغراض مادّية وجسدية.
    • تفعيل دور مؤسسات الدولة لتقوم بمراقبة الدّجالين والمحتالين ومعاقبتهم.
    • التشهير بهذه الفئة عبر البرامج التلفزية والإذاعية وفضحها لعموم الناس.
    • نشر الوعي بين الأفراد والجماعات من خلال ومضات اشهارية تعرّف بخطورة هذه الآفات التي أنهكت المجتمعات المحليّة ومازالت.
    • تضمين الكتب المدرسية بعض النصوص التي تتحدث عن ظاهرتي الشعوذة والسحر وتتمّ مناقشتها مع التلاميذ داخل القسم.
    • تنظيم ندوات وحوارات حول هاتين الظاهرتين ويؤمّنها اخصّائيون في علم النفس وعلم الاجتماع من أجل تحليل هذه الظواهر وتفسيرها وإبراز انعكاساتها السلبية على المجتمعات المحلية.
هل اعجبك الموضوع :
author-img
Arbi Jabli, chercheur en sociologie et spécialiste en sciences de l'éducation

Commentaires